سورة العنكبوت - تفسير تفسير الألوسي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (العنكبوت)


        


{وَلَمَّا جَاءَتْ رُسُلُنَا إِبْرَاهِيمَ بِالْبُشْرَى قَالُوا إِنَّا مُهْلِكُو أَهْلِ هَذِهِ الْقَرْيَةِ إِنَّ أَهْلَهَا كَانُوا ظَالِمِينَ (31)}
{وَلَمَّا جَاءتْ رُسُلُنَا إبراهيم بالبشرى} أي بالبشارة بالولد والنافلة {قَالُواْ} أي لإبراهيم عليه السلام في تضاعيف الكلام {أَنَاْ مُهْلِكُو أَهْلِ هذه القرية} أي قرية سذوم وهي أكبر قرى قوم لوط وفيها نشأت الفاحشة أولًا على ما قيل، ولذا خصت بالذكر، وفي الإشارة بهذه إشارة إلى أنها كانت قريبة من محمل إبراهيم عليه السلام وإضافة {مهلكوا} إلى {وَلْيَحْكُمْ أَهْلُ} لفظية لأن المعنى على الاستقبال، وجوز كونها معنوية لتنزيل ذلك منزلة الماضي لقصد التحقيق والمبالغة {إِنَّ أَهْلَهَا كَانُواْ ظالمين} تعليل للإهلاك بإصرارهم على الظلم وتماديهم في فنون الفساد وأنواع المعاصي، والتأكيد في الموضعين للاعتناء بشأن الخبر وقال سبحانه: {إِنَّ أَهْلَهَا} دون إنهم مع أنه أظهر وأخصر تنصيصًا على اتفاقهم على الفساد كما اختاره الخفاجي.
وقال بعض المدققين: إن ذلك للدلالة على أن منشأ فساد جبلتهم خبث طينتهم، ففيه إشارة خفية إلى أن المراد من أهل القرية من نشأ فيها فلا يتناول لوطًا عليه السلام، واعترض بأنه يبعد كل البعد خفاؤها لو كانت على إبراهيم عليه السلام كما هو ظاهر قوله تعالى:


{قَالَ إِنَّ فِيهَا لُوطًا قَالُوا نَحْنُ أَعْلَمُ نْ فِيهَا لَنُنَجِّيَنَّهُ وَأَهْلَهُ إِلَّا امْرَأَتَهُ كَانَتْ مِنَ الْغَابِرِينَ (32)}
{قَالَ إِنَّ فِيهَا لُوطًا} وقيل: يجوز أن يكون عليه السلام علم ما أشاروا إليه من عدم تناول أهل القرية إياه لكنه أراد التنصيص على حاله ليطمئن قلبه لكمال شفقته عليه، وقيل: أراد أن يعلم هل يبقى في القرية عند إهلاكهم أو يخرج منها ثم يهركون، وكأنه في قوله: {إِنَّ فِيهَا} دون إن منهم إشارة إلى ذلك، وأفهم كلام بعض المحققين أن قوله: {إِنَّ فِيهَا لُوطًا} اعتراض على الرسل عليهم السلام بأن في القرية من لم يظلم بناء على أن المتبادر من إضافة الأهل إليها العموم، وحمل الأهل على من سكن فيها وإن لم يكن تولده بها، أو معارضة للموجب للهلاك وهو الظلم بالمانع وهو أن لوطًا بين ظهرانيهم وهو لم يتصف بصفتهم، وأن جواب الرسل المحكي بقوله تعالى: {قَالُواْ نَحْنُ أَعْلَمُ ن فِيهَا لَنُنَجّيَنَّهُ وَأَهْلَهُ} تسليم لقوله عليه السلام في لوط مع ادعاء مزيد العلم به باعتبار الكيفية وأنهم ما كانوا غافلين عنه، وجواب عنه بتخصيص الأهل ن عداه وأهله على الاعتراض، أو بيان وقت إهلاكهم بوقت لا يكون لوط وأهله بين ظهرانيهم على المعارضة، وفيه ما يدل على جواز تأخير البيان عن الخطاب في الجملة، والذي يغلب على الظن أنهم أرادوا بأهل القرية من نشأ بها على ما هو المتعارف فلا يكون لوط عليه السلام داخلًا في الأهل، ويؤيد ذلك تأييدًا ما قول قومه {أخرجوا آل لوط من قريتكم} [النمل: 56] وفهم إبراهيم عليه السلام ما أرادواه وعلم أن لوطًا ليس من المهلكين إلا أنه خشي أن يكون هلاك قومه وهو بين ظهرانيهم في القرية فيوحشه ذلك ويفزعه.
ولعله عليه السلام غلب على ظنه ذلك حيث لم يتعضروا لإخراجه من قرية المهلكين مع علمهم بقرابته منه ومزيد شفقته عليه فقال: {إِنَّ فِيهَا لُوطًا} على سبيل التحزن والتفجع كما في قوله تعالى: {إِنّى وَضَعْتُهَا أنثى} وجل قصده إن لا يكون فيها حين الإهلاك فأخبروه أولًا زيد علمهم به وأفادوه ثانيًا بما يسره ويسكن جأشه نظير ما في قوله تعالى: {والله أَعْلَمُ بما وَضَعَتْ وَلَيْسَ الذكر كالانثى} [آل عمران: 36] وأكدوا الوعد بالتنيجة إما للإشارة إلى مزيد اعتنائهم بشأنه وإما لتنزيلهم إبراهيم عليه السلام منزلة من ينكر تنجيته لما شاهدوا منه في حقه، وتحمل النجية على إخراجه من بين القوم وفصله عنهم وحفظه مما يصيبهم فإنها بهذا المعنى الفرد الأكمل، ويلائم هذا ما قيل في قوله تعالى: {إِلاَّ امرأته كَانَتْ مِنَ الغابرين} أي من الباقين في القرية وهو أحد تفسيرين، ثانيهما ما روى عن قتادة وهو تفسيره الغابرين بالباقين في العذاب فتأمل، فكلام الله تعالى ذو وحوه، وفسر الأهل هنا بأتباع لوط عليه السلام المؤمنين، وجملة {كَانَتْ مِنَ الغابرين} مستأنفة وقد مر الكلام في ذلك وكذا في الاستثناء فارجع إليه.


{وَلَمَّا أَنْ جَاءَتْ رُسُلُنَا لُوطًا سِيءَ بِهِمْ وَضَاقَ بِهِمْ ذَرْعًا وَقَالُوا لَا تَخَفْ وَلَا تَحْزَنْ إِنَّا مُنَجُّوكَ وَأَهْلَكَ إِلَّا امْرَأَتَكَ كَانَتْ مِنَ الْغَابِرِينَ (33)}
{وَلَمَّا أَن جَاءتْ رُسُلُنَا} المذكورون بعد مفارقتهم إبراهيم عليه السلام {لُوطًا سِىء بِهِمْ} أي اعتراه المساءة والغم بسبب الرسل مخافة أن يتعرض لهم قومه بسوء كما هو عادتهم مع الغرباء، وقد جاءوا إليه عليه السلام بصور حسنة إنسانية.
وقيل: ضمير {بِهِمُ} للقوم أي سيء بقومه لما علم من عظيم البلاء النازل بهم، وكذا ضمير {بِهِمُ} الآتي وليس بشيء، و{ءانٍ} مزيدة لتأكيد الكلام التي زيدت فيه فتؤكد الفعلين واتصالهما المستفاد من لما حتى كأنهما وجدا في جزء واحد من الزمان فكأنه قيل: لما أحس جيئهم فاجأته المساءة من غير ريث.
{وَضَاقَ بِهِمْ ذَرْعًا} أي وضاق بشأنهم وتدبير أمرهم ذرعه أي طاقته كقولهم: ضاقت يده، ويقابله رحب ذرعه بكذا إذا كان مطيقًا له قادرًا عليه، وذلك أن طويل الذراع ينال ما لا يناله قصير الذراع.
{وَقَالُواْ لاَ تَخَفْ وَلاَ تَحْزَنْ} عطف على سيء، وجوز أن يكون عطفًا على مقدر أي قالوا: إنا رسل ربك وقالوا الخ، وأيًا ما كان فالقول كان بعد أن شاهدوا فيه مخايل التضجر من جهتهم وعاينوا أنه عليه السلام قد عجز عن مدافعة قومه حتى آلت به الحال إلى أن قال: {لَوْ أَنَّ لِى بِكُمْ قُوَّةً أَوْ اوِى إلى رُكْنٍ شَدِيدٍ} [هود: 80] والخوف للمتوقع والحزن للواقع في الأكثر، وعلهي فالمعنى لا تخف من تمكنهم منا ولا تحزن على قصدهم إيانا وعدم اكتراثهم بك، ونهيهم عن الخوف من التمكن إن كان قبل إعلامهم إياه أنهم رسل الله تعالى فظاهر، وإن كان بعد الإعلام فهو لتأنيسه وتأكيد ما أخبروه به.
وقال الطبرسي: المعنى لا تخف علينا وعليك وتحزن بما نفعله بقومك: {إِنَّا مُنَجُّوكَ وَأَهْلَكَ} فلا يصيبكم ما يصيبهم من العذاب {إِلاَّ امرأتك} إنها {كَانَتْ} في علم الله تعالى: {مِنَ الغابرين} وقرأ حمزة والكسائي. ويعقوب {لَنُنَجّيَنَّهُ} [العنكبوت: 32] بالتخفيف من الإنجاء، ووافقهم ابن كثير في الثاني.
وقرأ الجمهور بشد نون التوكيد، وفرقة بتخفيفها وأيًا ما كان فمحل الكاف من منجوك الجر بالإضافة، ولذا حذفت النون عند سيبويه و{مِنْ أَهْلِكَ} منصوب على إضمار فعل أي وننجي أهلك، وذهب الأخفش. وهشام إلى أن الكاف في محل النصب وأهلك معطوف عليه وحذفت النون لشدة طلب الضمير الاتصال بما قبله للإضافة، قال بعض الأجلة: لا مانع من أن يكون لمثل هذا الكاف محلان الجر والنصب ويجوز العطف عليها بالاعتبارين، وقرأ نافع. وابن كثير. والكسائي {سِىء} باشمام السين الضم، وقرأ عيسى. وطلحة {سُوء} بضمها وهي لغة بني هذيل. وبني دبير يقولون في نحو قيل وبيع قول وبوع وعليه قوله:
حوكت على نولين إذ تحاك *** تحتبط الشوك ولا تشاك

7 | 8 | 9 | 10 | 11 | 12 | 13 | 14